أحسست بيد زوجي وهي تشد علي يدي برفق وحنان وأنا أرمق إبني الأكبر وهو يبدأ حياته العملية بخطوات ثابتة، بعد أن تخرج من الجامعة وإجتاز المراحل السابقة من عمره، وسمعت نبرات الدعاء يهمس بها زوجي وهي تتوافق مع دعواتي أن يغفر الله لوالدينا ويجزيهم الله عنا خير الجزاء.
وأخذت أعود بذاكرتي لسنوات عديدة مضت وقلبي يخص أمي بأصدق الدعوات فمنذ بدأت حياتي الزوجية ونصيحتها الغالية نصب عيني وتتربع على عرش تفكيري وتقود تصرفاتي وحركاتي نصيحة غالية أوصتني بها وهي تدعو لي بالسعادة والرضا وتحثني على ألا أقيم حاجزاً بيني وبين شريك حياتي.
أخبرتني أمي أن الحياة الزوجية تمر بها التقلبات وتتعرض لهزات وتعترضها إشكاليات ولا ينجو القلب من ذلك كله بالإستعانة بالله والحرص كل الحرص علي أن تظل الأمور دائرة بين الزوجين فقط، فبالميثاق الغليظ أصبحا كيانا واحدا.
إن نقد أحده الزوجين للآخر يعني إصابة هذا الكيان بهزات خاصة أمام الآخرين، وتزداد الأمور سوءا إن إعتادا تبادل هذا النقد أمام الأبناء فإن كان من الممكن تجنب الآخرين فيما بعد إلا أن الأبناء هم جزء من هذا الكيان بل هم الثمرة التي يجب أن تكون سليمة قوية فهم نعمة الله، ومن ثم وجب الحرص على معالجة ما قد يطرأ بعيدا عن سمعهم وأبصارهم.
ونظر لأن الابن الأكبر غالبا ما نتمنى أن نحقق فيه ما تعلمناه وهو يحظي ببداية الممارسات التربوية وما يصاحبها من الاهتمام بغالب حركاته وسكناته ونموه ونشاطاته.
عندما أوشك ابني الأكبر على أن يترك مرحلة الطفولة ويقترب من الصبا بدأت أشعر أنه يتغير تغييرا ملحوظا رغم أنه كان حتى عهد قريب طفلي المدلل وأشعر أنني قادرة علي معالجة كل شؤونه وأن مسؤليتي أن أربي وأنصح وإصطحبه معي في زياراتي وأحرص على أن يمارس بعض الألعاب الرياضية وأحضر معه تمارين السباحة وأتابع أنشطته وأتواصل مع مدرسته وأقوم بشرح بعض دروسه التي يصعب عليه الإلمام بها.
كان ذلك كله بفضل الله وتحت رعايه والده فقد كنا متفقين علي أن تلك المرحلة من إختصاصي وأن أجعل زوجي ملماً بكل ما يدور وأن يكون تدخله في اي أمر في الوقت المناسب.
وكنت أشعر بسعادة طفلي وهو معي وكم كان تعلقه بي لكن ما إن بدأت سنوات عمره العشر تنتهي إذا به يحاول ألا أبدو في الصورة معه فها هو لا يوافق علي الذهاب معي فيغالب زياراتي وها هو يصر على أن يصطحب صديقاً له بدلا مني إلى النادي، وبعد عام آخر حتي أصبح يعترض بقوة علي أن أحاول أن أستذكر معه دروسه أو أن أتواصل مع إدرة مدرسته بل كان يسارع بعرض كل ما يواجهه على والده الذي كان يدرك تماما أنه هو المكلف بالرعاية في هذه المرحلة وكنت أرقب ذلك وأحمد الله فأنا وزوجي علي وفاق وإتفاق في تربية أبنائنا وتوجيههم.
وأخذ الوالد يقترب من ابنه ويناقش معه الكثير من الموضوعات وينطلقا معا إلى المسجد وإلى كثير من الزيارات العلمية ويتبادلان الكثير من الآراء والموضوعات.
وأذكر أنه حين مرت بنا فترة عصيبة وكانت في أثناء مرحلة التعليم الثانوي لإبني، حيث بدأ خلالها يبتعد عنا ويؤثر ألا يشاركه أحد منا فيما يخصه ويكثر من الإعتراض علي إقتراحات والده، كان زوجي حكيما في معالجة مثل هذه المواقف باللين المصحوب بالموعظة الحسنة.
وإستجمعت كل مخزون المحبة والحنان بداخلي حتى إنفرجت الأزمات وعبرنا المصاعب وها هو أمامنا يمضي في طريق حياته مصحوباً بالدعوات والأمنيات.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.